وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِ الرَّاعِي
(أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وفق العيال فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ) فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْفَقْرَ وَلَهُ الْحَلُوبَةُ يَوْمَئِذٍ
وَقَالَ آخَرُونَ الْمِسْكِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الله عز وجل (أما السفينة فكانت لمسكين يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) الْكَهْفِ ٧٩ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمِسْكِينَ كَانَ يَمْلِكُ سَفِينَةً أَوْ بَعْضَ سَفِينَةٍ تَعْمَلُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف تعرفهم بسيمهم لا يسئلون النَّاسَ إِلْحَافًا) الْبَقَرَةِ ٢٧٣ وَزَعَمُوا أَنَّ بَيْتَ الرَّاعِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِذْ صَارَ فَقِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلُوبَةٌ لِقَوْلِهِ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
وَقَالُوا الْفَقِيرُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُفْقِرُ وَيُرِيدُونَ الَّذِي نُزِعَتْ فَقْرَةٌ مِنْ ظَهْرِهِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ
وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ
(لَمَّا رَأَى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الْأَعْزَلِ) قِيلَ أَيْ لَمْ يُطِقِ الطَّيَرَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ انْقَطَعَ ظَهْرُهُ وَلَصِقَ بِالْأَرْضِ
قَالُوا وَهَذَا هُوَ الشَّدِيدُ الْمَسْكَنَةِ وَالْمِسْكِينُ حَقًّا وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) الْبَلَدِ ١٦ أَيْ قَدْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مِسْكِينًا لَيْسَ ذَا مَتْرَبَةٍ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ وهو الذي يقضي بِصَاحِبِهِ إِلَى الدَّقْعَاءِ وَهِيَ التُّرَابُ
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) الْبَلَدِ ١٦
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عبيد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute