الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَكَانَ يَمُرُّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ السَّرَايَا وَالْعَسَاكِرَ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَتِلْكَ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى اسْتِدْلَالٍ وَلَا اسْتِنْبَاطٍ
مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ ضَرُورَةٌ يُخَافُ مِنْهَا تَلَفُ النُّفُوسِ وَيُرْجَى بِالْمُوَاسَاةِ بَقَاؤُهَا حِينًا انْتِظَارُ الْفَرَجِ فَوَاجِبٌ حِينَئِذٍ الْمُوَاسَاةُ وَأَنْ يُشَارِكَ الْمَرْءُ رَفِيقَهُ وَجَارَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنَ الْقُوتِ
أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَقَالَ اجْمَعُوا أَزْوَادَكُمْ
قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْحَفْنَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالْحَفْنَةِ مِنَ السَّوِيقِ وَطَرَحُوا الْأَنْطِعَةَ وَالْأَكْسِيَةَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ كُلُوا
فَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَأَخَذْنَا فِي مَزَاوِدِنَا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ مَنْ قَالَهَا غَيْرَ شَاكٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَالَ بَعْضُ العلماء جمع الأوزاد فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَأَنْ يَخْرُجَ الْقَوْمُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَفَرٍ بِنَفَقَتِهِمْ جَمِيعًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِمْ وَأَحْسَنُ لِأَخْلَاقِهِمْ وَأَحْرَى أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَجَمْعُ أَبِي عُبَيْدَةَ لِأَزْوَادِ الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَفِعْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ الْأَزْوَادِ وَجَمْعِهَا وَالْمُوَاسَاةِ عَلَى التَّسَاوِي فِيهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ عِنْدَ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَارْتِفَاعِ السِّعْرِ وَعَدَمِ الْقُوتِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ بِإِخْرَاجِهِ لِلْبَيْعِ وَرَأَى أَنَّ إِجْبَارَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيقِ النَّاسِ وَصَلَاحِ حَالِهِمْ وَإِحْيَائِهِمْ وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْعَلُ مَعَ كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِثْلَ عَدَدِهِمْ عَامَ الرَّمَادَةِ وَيَقُولُ لَنْ يَهْلَكَ امْرُؤٌ عَنْ نِصْفِ قُوتِهِ