وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَكْثَرَ الْبِدَعِ إِنَّمَا ظَهَرَتْ وَابْتَدَأَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا بِالْجَمَلِ وَصَفِّينَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ وَقَعَتْ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ فَكَانَتْ سَبَبًا إِلَى افْتِرَاقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَسَادِ نِيَّاتِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الْيَوْمِ وَإِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِوُقُوعِهِ وَيَحْزَنُ لَهُ وَلَوْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ وَالشَّوَاهِدَ بِمَا وَصَفْنَا لَخَرَجْنَا بِذَلِكَ عَمَّا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَصَدْنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ١٨٢٧ - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَا تَخْرُجْ إِلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الدَّاءِ الْعُضَالِ فَقَالَ الْهَلَاكُ فِي الدِّينِ
وَأَمَّا السِّحْرُ فَمَنْسُوبٌ إِلَى أَرْضِ بَابِلَ وَهِيَ مِنَ الْعِرَاقِ وَتُنْسَبُ أَيْضًا إِلَى مِصْرَ
وَأَمَّا فَسَقَةُ الْجِنِّ فَهَذَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
وَلِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ رِوَايَاتٌ رَوَاهَا عُلَمَاؤُهُمْ فِي فَضَائِلِهَا
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا مِنْهَا
وَلَمْ تُخْتَطَّ الْكُوفَةُ وَلَا الْبَصْرَةُ إِلَّا بِرَأْيِ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَنَزَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ بِهَا الْعُلَمَاءُ وَالْعُبَّادُ وَالْفُضَلَاءُ وَأَهْلُ الْأَدَبِ وَالْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَغْرَبُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى اسْتِشْهَادٍ لِأَنَّهُ عِلْمٌ ظَاهِرٌ وَعِلْمُ فَسَقَةِ الْجِنِّ عِلْمٌ بَاطِنٌ وَكُلُّ آيَةٍ تُعْرَفُ لِنَاحِيَتِهَا فَضْلًا تَنْشُرُهُ إِذَا سُئِلَتْ عَنْهُ وَتَطْلُبُ الْعَيْبَ لِمَنْ عَابَهَا وَمَنْ طَلَبَ عَيْبًا وَجَدَهُ وَالْفَاضِلُ حَيْثُ كَانَ فَهُوَ فَاضِلٌ وَالْمَفْضُولُ الساقط حيث كان من البلدان لا تُصْلِحُهُ بَلْدَةٌ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ صَاحِبَهَا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْمَرْءَ عَمَلُهُ وَإِنَّ مَنْ مَدَحَ بَلْدَةً وَذَمَّ أُخْرَى يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ مِمَّنْ يجب التسليم له على أَنَّهُ لَا مَدْحَ وَلَا ذَمَّ لِبَلْدَةٍ إِلَّا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِهَا وَأَمَّا عَلَى العموم فلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute