مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ رَكْعَتِهِ الَّتِي قَامَ إِلَيْهَا بِرَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْهَا
وَقَوْلُهُمْ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ عَمَلِ الْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ وَيُرَتَّبُ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَا يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُؤْتَى بِهِ مَعَ الذِّكْرِ
وَهَذَا أيضا مردود بالسنة في حديث بن بُحَيْنَةَ وَغَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَيْضًا أَمْ لَا فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا سَاهِيًا كَانَ أو عامدا إلا فرقة صغيرة منهم بن عُلَيَّةَ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْجِلْسَةَ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاجِبٍ قِيَاسًا عَلَى الْجِلْسَةِ الْوُسْطَى
واحتج بحديث بن بُحَيْنَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ
وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ))
وَهَذَا لَفْظٌ لَا يَصِحُّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا هَذَا الْحَدِيثُ يَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ الْإِفْرِيقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا يَرْوِيهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ لِضَعْفِهِ فِي نَقْلِهِ
وَهَذَا اللَّفْظُ فِي رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ إِنَّمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ
وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ الْإِفْرِيقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ((إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ))
وَهَذَا اللَّفْظُ إِنَّمَا يُسْقِطُ السَّلَامَ لَا الْجُلُوسَ
وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ نَقْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)) وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا قَالَ
وَالْجُمْهُورُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى جَمِيعِهِمْ جَهْلُ مَا عَلِمَهُ الشَّاذُّ الْمُنْفَرِدُ
عَلَى أن بن عُلَيَّةَ يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ سُنَنِهَا وَفَرَائِضِهَا وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ تَفْسُدُ الصلاة بتركه