وَحَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ خَلْفَ الرِّجَالِ ثُمَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ فِي الصَّلَاةِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَأَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ رَكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ
قَالَ وَقَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ لَا تَعُدْ يَعْنِي لَا تَعُدْ أَنْ تَتَأَخَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَفُوتَكَ أَوْ تَفُوتَكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ
قَالَ وَإِذَا جَازَ الرُّكُوعُ لِلرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ فَكَذَلِكَ سَائِرُ صَلَاتِهِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَإِذَا جَازَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَأَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وقد احتج جماعة من أصحابنا ما احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الرِّجَالِ
وَلَكِنِّي أَقُولُ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي إِبْطَالِ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ
وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى تَرْكِ الْقَوْلِ بِهِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كُلُّهُمْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ جَائِزَةٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ حَضَرَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ إِذَا كَانَ يُؤْمَنُ مِنْهُ اللَّعِبُ وَالْأَذَى وَكَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَعْنَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَبْصَرَ صَبِيًّا فِي الصَّفِّ أَخْرَجَهُ
وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَأَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ
وهذا يحتمل أن يكون ذلك الصبي من لا يؤمن لعبة وعبثه أو يكون كثرة التقدم