للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَكُونُ الْأَحَادِيثُ مُسْتَعْمَلَةً كُلَّهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي الْكُلِّ الِاسْتِعْمَالَ مَا وَجَدْنَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَلَا يُقْطَعُ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ أَوْ إِجْمَاعٍ

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ نِصْفَ النَّهَارِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ لَا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا النَّهْيَ وَمَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يَسْجُدُونَ وَيُصَلُّونَ نصف النهار

وهذا ما حكى عنه بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ وَفِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قُرِئَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ - النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ فِي حَدِيثِ الصُّنَابِحِيِّ لِقَوْلِهِ فِيهِ ((فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا)) وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أَكْرَهُ التَّطَوُّعَ نِصْفَ النَّهَارِ وَلَا أُحِبُّهُ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هَذَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا وَهُوَ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِمَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ وَرِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ وَأَحْسَبُهُ مَالَ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِهِ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ ((أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ)) وَمَعْلُومٌ أَنَّ خُرُوجَ عَمَرَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ طِنْفِسَةِ عَقِيلٍ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ

فَإِذَا كَانَ خُرُوجُ عُمَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ إِلَى خُرُوجِهِ فَقَدْ كَانُوا يُصَلُّونَ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ

وَمِثْلُ هَذَا الْعَمَلِ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلِذَلِكَ صَارَ إِلَيْهِ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ

وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُ الْجُمُعَةِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فِي أَثَرٍ وَلَا نَظَرٍ

وَمِمَّنْ رَخَّصَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ تَخْصِيصُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً وَهِيَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ

وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن سعيد بن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>