بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَسْجِدُ صَالِحٍ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فَإِنِّي صَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِ صَالِحٍ وَقَبِلَتُهُ الْكَعْبَةُ
وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ أَنَّهُ رَأَى مَسْجِدَ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقُبْلَتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّ الْقِبْلَةَ كَانَتْ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَكُلُّ مَا دَانَ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَيْهَا صَلَّى النَّبِيُّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مُذْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَادَهُ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي صَلَاتِهِمْ هِيَ الْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ بِمَكَّةَ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) الْبَقَرَةِ ١٥٠
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ عَايَنَهَا وَشَاهَدَهَا اسْتِقْبَالُهَا بِعَيْنِهَا وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَهَا وَهُوَ مُعَايِنٌ لَهَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ
أَجْمَعُوا أَنْ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ فِي صَلَاتِهِ نَحْوَهَا بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جِهَتِهَا مِنَ النُّجُومِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَغَيْرِهَا
وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا طَلَبٍ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ جِهَتَهَا فِي صَلَاتِهِ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ كَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حُكْمُ مَنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي مَسْجِدٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ طَلَبُ الْقِبْلَةِ وَعِلْمُهَا وَوُجُودُهَا بِالْمِحْرَابِ وَشِبْهِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ غَابَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى مُجْتَهِدًا كَمَا أُمِرَ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ بِأَنِ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ ثُمَّ بَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ
فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مُجْتَهِدًا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ بِاجْتِهَادِهِ يَؤُمُّ نَاحِيَتَهَا إِذَا خَفَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ جِدًّا فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ
وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ مَا لَمْ يَنْفَجِرِ الصُّبْحُ وَفِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ