للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء: ٦٠].

إلى قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

(تحكيم القوانين: تحكيم للطاغوت، وإيمان به)

فمن دعا إلى الحكيم القوانين البشرية، فقد جعل لله شريكًا في الطاعة والتشريع، ومن حكم بغير ما أنزل الله، يرى أنه أحسن أو مساو لما أنزل الله وشرعه، أو أنه يجوز الحكم بهذا، فهو كافر بالله، وإن زعم أنه مؤمن، لأن الله أنكر على من يريد التحاكم إلى غير شرعه؛ وكذَّبهم في زعمهم الإيمان، لأن قوله: {يَزْعُمُونَ} متضِّمن لنفي إيمانهم، لأن هذه الكلمة تقال غالبًا لمن يدِّعي دعوى هو فيها كاذب، ولأن تحكيم القوانين تحكيم للطاغوت، والله قد أمر بالكفر بالطاغوت، وجعل الكفر بالطاغوت، ركن التوحيد، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة: ٢٥٦].

فمن حكَّم القوانين، لم يكن موحدًا لأنه اتخذ لله شريكًا في التشريع والطاعة، ولم يكفر بالطاغوت الذي أمر أن يكفر به، وأطاع الشيطان، كما قال تعالى: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: ٦٠].

وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم حينما يدعون إلى التحاكم إلى شرع الله يأبون ويعرضون، فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: ٦١].

كما أخبر أنهم يردون الفساد صلاحًا، لانتكاس فطرهم، وفساد قلوبهم، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١١، ١٢]، فالتحاكم إلى غير الله من أعمال المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض» (١).


(١) «الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد»: (ص ٨٨، ٨٩).

<<  <   >  >>