للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

صفة الدار التي تجب الهجرة منها إلاَّ لمن قدر على إظهار دينه مع تحرير المراد والمتعين من إظهار الدين

لقد دلَّ الكتاب والسنة، مع صريح العقل: على وجوب الهجرة من الديار التي تظهر فيها أعلام الكفر وتعلوها شعائر الشرك، لا سيما لمن لم يستطع فيها على إظهار دينه، والأمن عليه من الفتنة. وإظهار الدين المبيح للإقامة بين أظهر المشركين يعني: إعلان المخالفة لكل طائفة كافرة بما اشتهر عنها من المعتقد، مع التصريح بالعداوة لها.

وبمعنى آخر: القيام بالبراءة من المشركين وآلهتهم المزعومة، وإعلامهم بأن حكم ما هم عليه من الشرك والتنديد: كفر صريح، وضلال مبين، وانسلاخ تام من الدين، لا يمكن أن يجتمع بأي حال مع أصل الإيمان والتوحيد.

فإذا جلس المسلم بينهم، وآثر دنياه على آخرته، فقد يقع في موالتهم ونصرتهم، وتكثير سوادهم، وتصحيح ما هم عليه من الاعتقادات الباطلة والأعمال الفاسدة، لا سيما مع طول الأمد، وبُعد العهد بينه وبين المسلمين وديارهم.

بل وقد تجب الهجرة والفرار من ديار الإسلام إذا علاها الفساد، وعمل فيها بالبدع والمعاصي دون القدرة على تغييرهما، وإحلال السنة والطاعة محلهما. وها هنا علة عظيمة ميمونة مباركة لمشروعية الهجرة، تتمثل في اعتزال أهل المنكر والفساد وتميز أهل الإيمان والصلاح، ومن ثم انتصاب علم الجهاد لقمع أهل الشرك والفساد.

ولولا الهجرة لما قام الدين، ولا عُبد رب العالمين، ولا تمَّت البراءة من المشركين ...

<<  <   >  >>