وكان من أعظم فضائل الصدِّيق عندهم أنه ثبته الله على قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره حتى ناظرهم فرجعوا إلى قوله.
وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم، وهذه حجة من قال إن قاتلوا الإمام عليها كفروا وإلاَّ فلا، فإن كفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنَّة، بخلاف من لم يقاتل الإمام عليها، فإن في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: منع ابن جميل فقال: «ما ينقم ابن جميل إلاَّ أنه كان فقيرًا فأغناه الله»، فلم يأمر بقتله ولا حكم بكفره. وفي السنن من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله» الحديث. انتهى.
فتأمل كلامه وتصريحه بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام أنهم يقاتلون، ويحكم عليهم بالكفر والردَّة عن الإسلام، وتُسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم والحكم عليهم بالكفر والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنَّة واتفاق الصحابة - رضي الله عنهم -. والله أعلم» (١).
* * *
(١) «عقيدة الموحِّدين» الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة: (ص ٢٣٥ - ٢٣٨).