ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ} [محمد: ٢٥، ٢٦]. والسين حرف تنفيس تفيد: استقبال الفعل، فدل على أنهم وعدوهم ذلك سرًا بدليل قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد: ٢٦ - ٢٨]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والمقصود: بيان عظم هذا الذنب عند الله، وما رتب عليه من العقوبات عاجلاً وآجلاً. نسأل الله الثبات على الإسلام والإيمان، ونعوذ بالله من الخيبة والخذلان.
وقد ذكر شيخنا رحمه الله تعالى في مختصر السيرة له: ذكر الواقدي أن خالد بن الوليد، لما قدم العارض، قدم مائتي فارس، فأخذوا مجَّاعة بن مرارة في ثلاثة عشر رجلاً من قومه بني حنيفة، فقال لهم خالد بن الوليد: ما تقولون في صاحبكم؟ (١) فشهدوا أنه رسول الله، فضرب أعناقهم، حتى إذا بقي سارية بن عامر قال: يا خالد إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرًا أو شرًا فاستبق مجَّاعة، وكان شريفًا فلم يقتله، وترك سارية أيضًا، فأمر بهما فأوثقا في مجامع من حديد، فكان يدعو مجَّاعة وهو كذلك فيتحدث معه وهو يظن أن خالدًا يقتله، فقال: يا ابن المغيرة إن لي إسلامًا والله ما كفرت.
فقال خالد: إن بين القتل والترك منزلة وهي الحبس، حتى يقضي الله في أمرنا ما هو قاض، ودفعه إلى أم متمم زوجته، وأمرها أن تحسن أساره، فظن مجَّاعة أن خالدًا يريد حبسه ليخبره عن عدوه، وقال: يا خالد قد علمت أني قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه بالأمس، فإن يك كذاب قد خرج فينا الله يقول:{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤].