للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ ...} [التوبة: ٣١]، قال: يا رسول الله، إنهم لم يعبدوهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «بلى إنهم حرَّموا عليهم الحلال، وحلَّلوا لهم الحرام، فذاك عبادتهم إياهم».

وقال ابن عباس، وحذيفة بن اليمان، في تفسير هذه الآية: إنهم اتبعوهم فيما حلَّلوا وحرَّموا. فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية، لم يسموا أحبارهم، ورهبانهم، أربابًا ولا آلهة، ولا كانوا يظنون أن فعلهم هذا معهم عبادة لهم، ولهذا قال عدي: إنهم لم يعبدوهم.

وحكم الشيء تابع لحقيقته، لا لاسمه، ولا لاعتقاد فاعله، فهؤلاء كانوا يعتقدون أن طاعتهم في ذلك، ليست بعبادة لهم، فلم يكن ذلك عذرًا لهم، ولا مزيلاً لاسم فعلهم، ولا لحقيقته وحكمه» (١).

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى:

«وتلطف الشيطان في كيد هؤلاء الغلاة في قبور الصالحين، بأن دسَّ عليهم تغيير الأسماء والحدود الشرعية، والألفاظ اللغوية، فسموا الشرك وعبادة الصالحين: توسُّلاً ونداء، وحسن اعتقاد في الأولياء، وتشفعًا بهم، واستظهارًا بأرواحهم الشريفة، فاستجاب له صبيان العقول، وخفافيش البصائر، وداروا مع الأسماء، ولم يقفوا مع الحقائق.

فعادت عبادة الأولياء والصالحين، ودعاء الأوثان والشياطين، كما كانت قبل النبوَّة، وفي زمان الفترة حذو النعل بالنعل، وحذو القذَّة بالقذَّة، وهذا من أعلام النبوَّة، كما ذكره غير واحد، ولم يزل ذلك في ظهور وازدياد، حتى عمَّ ضرره، وبلغ شرره الحاضر والباد» (٢).


(١) «الدرر السنية»: (١/ ٥٦٧ - ٥٦٩).
(٢) «الدرر السنية»: (١٢/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>