فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره:«اللهم فشفعه فيَّ» فعلم أنه شفع له.
وفي رواية أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، فدل الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - شفع له بدعائه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره هو أن يدعو الله ويسأله قبول شفاعته، فهذا من أعظم الأدلة على أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدعى، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقدر على شفائه إلاَّ بدعاء الله له.
فأين هذا من تلك الطوام؟ والكلام إنما هو في سؤال الغائب، أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله، أما أن تأتي شخصًا يخاطبك فتسأله أن يدعو لك، فلا إنكار في ذلك، على ما في حديث الأعمى، فالحديث سواء كان صحيحًا أو لا، وسواء ثبت قوله فيه:(يا محمد) أو لا، لا يدل على سؤال الغائب، ولا على سؤال المخلوق، فيما لا يقدر عليه إلا الله بوجه من وجوه الدلالات. ومن ادعى ذلك، فهو مفتر على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه إن كان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه، فهو لم يسأل منه إلاَّ ما يقدر عليه، وهو أن يدعو له، وهذا لا إنكار فيه وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه، فهو لم يسأل منه، وإنما سأل من الله به، سواء كان متوجهًا بدعائه، كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح، أو كان متوجهًا بذاته على قول ضعيف.
(التوجه إلى الخالق بذوات المخلوقين بدعة منكرة، وأجنبية عن الشريعة وفهم حامليها)
فإن التوجه بذوات المخلوقين، والإقسام بهم على الله بدعة منكرة، لم تأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، ولا