الأمصار التي نعرف، مع أن النهي عن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنصوص على النهي في جميع المذاهب، فهل يمكن هذا المبطل، أن يقول: إن الأمة مجمعة على جواز ذلك لكونه ظاهرًا في الأمصار؟ والله سبحانه إنما افترض علي الخلق طاعته، وطاعة رسوله، وأمرهم أن يردوا إلى كتابه وسنَّة رسوله، ما تنازعوا فيه، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد والرسالة.
فإذا عرف: أن الشرك عبادة غير الله، وعرف معنى العبادة، وعلم كل قول وعمل يحبه الله ويرضاه، ومن أعظم ذلك الدعاء، لأنه مخ العبادة، وعلم ما يفعل عند القبور، من دعاء أصحابها بسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، عرف أن هذا هو الشرك الأكبر الذي هو عبادة غير الله تعالى، فإذا تحقق الإنسان ذلك، عرف الحق، ولم يبال بمخالفة أكثر الناس، ويعتقد أن الأمة لا تجتمع على ذلك، لأنه ضلالة.
فإن قال هذا المجادل: إن هذه الأفعال التي تفعل عند القبور، وعلي القبور جائزة شرعًا، فهو محادٌّ لله ولرسوله، وإن قال: هذه الأمور لا تجوز، لكنها ليست شركًا، مع دعواه أن علماء الزمان أجمعوا على ذلك، فيلزمه أن الأمة أجمعت على ضلالة، والإنسان إذا تبيَّن له الحق، لم يستوحش من قلة الموافقين وكثرة المخالفين، لا سيما في آخر هذا الزمان.
وقول الجاهل: لو كان هذا حقًا ما خفي على فلان وفلان، هذه دعوى الكفار، في قولهم:{لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}[الأحقاف: ١١]، {أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا}[الأنعام: ٥٣]، وقد قال علي - رضي الله عنه -: اعرف الحق تعرف أهله.
وأما الذي في حَيرة ولبس، فكل شبهة تروج عليه، فلو كان أكثر الناس اليوم على الحق، لم يكن الإسلام غريبًا، وهو والله اليوم في غاية الغربة» (١).