للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكفر بما يعبد من دون الله، كما في الحديث، بل آمن بما يعبد من دون الله باتخاذه الند ومحبته له وعبادته إياه من دون الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} [البقرة: ١٦٥]، لأنهم أخلصوا له الحب فلم يحبوا إلاَّ إياه، ويحبون من أحب، ويخلصون أعمالهم جميعًا لله، ويكفرون بما عبد من دون الله. فبهذا يتبين لمن وفَّقه الله تعالى لمعرفة الحق وقَبوله دلالة هذه الآيات العظيمة على معنى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وعلى التوحيد الذي هو معناها، الذي دعا إليه جميع المرسلين. فتدبَّر» (١).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

«ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها، لا يكون به المكلَّف مسلمًا، بل هو حجة على ابن آدم. خلافًا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار كالكرَّامية، أو مجرد التصديق كالجهمية. وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة وسجل على كذبهم، مع أنهم أتوا بألفاظ مؤكدة بأنواع من التأكيدات.

قال تعالى: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١]، فأكدوا بلفظ الشهادة و «إن» المؤكدة، واللام، والجملة الاسمية، فأكذبهم، وأكد تكذيبهم، بمثل ما أكَّدوا به شهادتهم سواء بسواء، وزاد التصريح باللقب الشنيع والعلم البشيع الفظيع.

وبهذا تعلم أن مسمَّى الإيمان لا بد فيه من الصدق والعمل، ومن شهد أن لا إله إلاَّ الله، وعبد غيره معه فلا شهادة له، وإن صلَّى وزكَّى وصام، وأتى بشيء من أعمال الإسلام. قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب وردَّ بعضًا:


(١) «فتح المجيد»: (ص ١٠٢، ١٠٣).

<<  <   >  >>