وانطلاقًا من إيجاد حل للمصائب العظام والدواهي الكبار، التي تحيط بأمتنا، وتهدد بحق وجودها وبقائها، بدأت البحث الحثيث، والتنقيب الدائم المستمر عن منهج أصيل منضبط، يصلح أن يقدم لأمتنا على أنه العلاج الناجح الوحيد، الذي ينبغي أن تنجرعه لتخرج به من أزمتها الراهنة، وتثبت قدماها على طريق التحدي الرهيب.
وقد وقع اختياري على تراث الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وطيب مثواه، وذلك لعمق منهجه، وأصالته، وقوته، وشموليَّته، وكذا قرب عهده منَّا، ومشابهة ظروف وأوضاع نشأته لظروفنا وأوضاعنا الحالية، فقد كانت الأمة الإسلامية تمر إلى حدٍّ كبير بذات الأزمة التي تمرُّ بها في فترتنا الآنية، وكذلك واجهت حركته - رحمه الله تعالى - ذات الطواغيت والمنافقين ومرتزقة الأقلام والكلمات، التي نصارعها ونواجهها في جولتنا الحالية.
فلما تشابهت علل النشأة، وأحوال المرحلة، وطبيعة العداء وحجم الصراع، رأيت أنه قد تعين وتوجَّب علىّ، الغوص العميق في ثنايا هذا التراث، لاستخراج كنوزه، واغتنام ثرواته، فقمت - مستعينًا بالله العليم الخبير - بتبويت هذا التراث المتناثر، تبويبًا منهجيًا شموليًا، مبتدئًا فيه بالمقدمات والأصول، ومارًا بالنواقض والعوائق، ومنتهيًا بالنتائج والعواقب.
والقصد من وراء هذا العمل: أن تظهر بوضوح حقيقة تلك الدعوة، وينجلي شمولها العميق، ومن ثم يستحيل اختزالها المراد لها من قبل أعدائها في بعض جوانبها فقط، لئلا تكون قادرة على محاربة الطغيان، ومنازلة الفساد، ومقارعة الخارجين عن شريعة الله وعبوديته، التي ما خلقت الخليقة إلاَّ لتعبده وحده لا شريك له، وتستظل بشريعته في كل جوانب حياتها، حتى تلقاه سبحانه على ذلك غير مفرطة، ولا عادلة، ولا مبدلة.