قال ابن جرير (١) - عند تفسير هذه الآية - وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور.
ومن المعلوم: أن أهل البدع الذين كفَّرهم السلف والعلماء بعدهم، أهل علم وعبادة وفهم وزهد. ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلاَّ الجهل. والذين حرَّقهم علي بن أبي طالب بالنار، هل أفنهم إلاَّ الجهل؟ ولو قال إنسان: أنا أشك في البعث بعد الموت، لم يتوقف من له أدنى معرفة في كفره، والشاك جاهل، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}[الجاثية: ٣٢].
وقد قال الله تعالى عن النصارى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة: ٣١].
قال عدي بن حاتم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما عبدناهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أليس يحلُّون ما حرم الله فتحلُّونه؟ ويحرِّمونه ما أحل الله فتحرِّمونه؟» قال: بلى، قال:«فتلك عبادتهم» فذمهم الله سبحانه، وسمَّاهم مشركين، مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل.
ولو قال إنسان عن الرافضة في هذا الزمان: إنهم معذورون في سبِّهم الشيخين وعائشة، لأنهم جهال مقلِّدون، لأنكر عليه الخاص والعام، وما
(١) نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في هذه الآية عن الإمام ابن جرير الطبري قوله وأقره عليه: «وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم: أن الله لا يعذب أحدًا على معصية ركبها، أو ضلالة اعتقدها، إلاّ أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها، لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل، وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى، فرق. وقد فرَّق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية»، وقال الإمام البغوي فيها: «وفيه دليل على أن الكافر، الذي يظن أنه في دينه على الحق، والجااحد، والمعاند، سواء».