للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه قائمة بإرساله الرسل، وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته.

قال الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة - رحمه الله تعالى - لما أنجز كلامه: هل كل مجتهد مصيب؟ ورجح قول الجمهور، أنه ليس كل مجتهد مصيبًا، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين.

قال: وزعم الجاحظ: أن من خالف ملة الإسلام، إذا نظر فعجز عن إدراك الحق، فهو معذور غير آثم، إلى أن قال: أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينًا، وكفر بالله، ورد عليه، وعلى رسوله، فنعلم قطعًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر اليهود والنصارى بالإسلام وإتباعه، وذمَّهم على الإصرار، وقاتلهم جميعهم، يقتل البالغ منهم، ونعلم: أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدًا، ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه.

والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة، كقوله تعالى: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...} [ص: ٢٧]. وقوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ...} [فصلت: ٢٣]، وقوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤]، وقوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المجادلة: ١٨]، وقوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: ٣٧]، وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٣، ١٠٤].

فالمدعي أن مرتكب الكفر: متأوَّلاً، أو مجتهدًا، أو مخطئًا، أو مقلدًا أو جاهلاً، معذور، مخالف للكتاب والسنَّة والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونحو ذلك» (١).

* * *


(١) «الدرر السنية»: (١٢/ ٦٩ - ٧٣).

<<  <   >  >>