الهجرة ما قوتل الكفار»، وفي معناه حديث معاوية:«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة» الحديث، وما رواه سعيد بن منصور وغيره:«لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد».
ففي هذه الأحاديث مع تباين مخارجها، واختلاف طرقها، هيئة اجتماعية يقطع معها بهذا الحكم العظيم، الذي هو من أعظم من مصالح الشريعة.
قال أبو عبد الله الحليمي في المجالس، وهو من أجلِّ علماء الشافعية، وأئمة الحديث في وقته، وهو في طبقة الحاكم، لما ذكر بقاء الهجرة قال: إنها انتقال من الكفر إلى الإيمان، ومن دار الحرب إلى دار الإسلام، ومن السيئات إلى الحسنات، وهذه الأشياء باقية ما بقي التكليف.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد أفصح ابن عمر بالمراد، فيما ذكره الإسماعيلي بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تنقطع ما قوتل الكفار، أي: ما دام في الدنيا دار كفر. انتهى ....
وقد بنى العلاَّمة ابن قدامة، وابن أبي عمر وغيرهما، كالحافظ وغيره، حكم الإباحة على مقدمتين: إظهار الدين، وأداء الواجبات، والحكم إذا علِّق بوصفين لم يتم بدونهما، خصوصًا إذا أعيدت الأداة، وتكررت الصيغة، وقد أعيدت الأداة وتكرَّرت، وأعيدت الصيغة، هنا: حيث قالوا: ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجبات دينه، وهذا يدل على أن لكل جملة معنى غير الذي للأخرى ....
قال في الإقناع وشرحه: وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهو ما يغلب عليها حكم الكفر، زاد جماعة وجزم في المنتهى أو بلد بغاة، أو بدع مضلَّة، كالرافضة والخوارج، فيخرج منها إلى دار أهل السنة وجوبًا، إن عجز عن إظهار مذهب أهل السنة فيها.