للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية على أنه يجب الكف عن المشرك إذا أظهر الإسلام، ولو ظن أنه إنما قال ذلك خوفًا من السيف، فإن تبين بعد ذلك أنه إنما أظهر الإسلام تعوذًا، قتل، ولهذا قال تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ} [النساء: ٩٤]، والتبيُّن هو: التثبت والتأني، حتى يتبين حقيقة الأمر، وأما إذا كان المشرك يتلفظ بلا إله إلاَّ الله، في حال كفره وردَّته، ويفعل من الأفعال ما يوجب كفره وأخذ ماله، فهذا يقتل ويباح دمه وماله، كما قال الصديق - رضي الله عنه -، لعمر - رضي الله عنه -، لما ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيهم طائفة يشهدون أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلون، ولكنهم منعوا الزكاة ....

وأما قولك: إن المسلمين إذا أمسكوا أحدًا يشهد أن لا إله إلاَّ الله، أنهم يقتلونه ويأسرونه، فجواب هذه المسألة، نظير الجواب في التي قبلها، ونحن نقول: لا إله إلاَّ الله قول وعمل، فمن قال لا إله إلاَّ الله، ولم يعلم معناها، ولم يعمل بمقتضاها، لم ينفعه ذلك، فإن المنافقين الذين في الدرك الأسفل في النار، يقولون لا إله إلاَّ الله ولم ينفعهم ذلك.

وكذلك بنو حنيفة، الذين قاتلهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويؤذِّنون، ويصلَّون، وهم كفار بالإجماع، وقد أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو بني المصطلق لما قيل له إنهم منعوا الزكاة، وهم يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويؤذنون ويصلون، وكذلك على حرق الغالية، وهم يقولون: لا إله إلاَّ الله.

وكذلك الخوارج الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه، مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم»، وأخبر أنهم شر قتيل تحت أديم السماء، وقاتلهم علي - رضي الله عنه -، وهم يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويعملون أعمالاً شاقة» (١).


(١) «الدرر السنية»: (٩/ ٢٣٩ - ٢٤٣).

<<  <   >  >>