رسوله فهو كافر مرتد عن الإسلام، وإن أقر بجميع ما أنزل الله، وإن كان هازلاً بذلك لم يقصد معناه بقلبه، كما قال الشافعي: من هزل بشيء من آيات الله فهو كافر، فكيف بمن هزل بسبِّ الله، أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟
ولهذا قال الشيخ تقي الدين: قال أصحابنا وغيرهم، من سبَّ الله تعالى كفر، مازحًا أو جادًا، لقوله تعالى:{قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ...}[التوبة: ٦٥، ٦٦]. قال: وهذا هو الصواب المقطوع به. انتهى.
ومعنى قول إسحاق رحمه الله تعالى: أو دفع شيئًا مما أنزل الله، أن يدفع أو يرد شيئًا مما أنزل الله في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الفرائض، أو الواجبات، أو المسنونات، أو المستحبات، بعد أن يعرف أن الله أنزله في كتابه، أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو نهى عنه، ثم دفعه بعد ذلك، فهو كافر مرتد، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله في كتابه من الشرع، إلاَّ ما دفعه وأنكره، لمخالفته لهواه أو عادته، أو عادة أهل بلده، وهذا معنى قول العلماء: من أنكر فرعًا مجمعًا عليه كفر، فإذا كان من أنكر النهي عن الأكل بالشمال، أو النهي عن إسبال الثياب، بعد معرفته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، فهو كافر مرتد، ولو كان من أعبد الناس وأزهدهم ....
فصل: قال في الإقناع وشرحه «باب حكم المرتد»، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، نطقًا، أو شكًا، أو فعلاً، ولو مميزًا، فتصح ردته كإسلامه، لا مكرهًا، لقوله:{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦]، ولو هازلاً، لعموم قوله تعالى:{مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ}[المائدة: ٥٤]، وأجمعوا على وجوب قتل المرتد؛ فمن أشرك بالله تعالى، كفر بعد إسلامه، لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}