والأموال فإن ذلك شرط لصحة الإيمان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده والناس أجمعين»، ولكن لا نخرجه بهذه المحبة عن طبيعة البشر فنجعله ربًا، أو إلهًا، أو خالقًا، أو رازقًا، وإنما ميزته الرسالة، حيث فضله الله على جميع البشر، وأنزل عليه الوحي وكلفه بحمل الرسالة وتبليغها إلى جميع الناس، مع أنه لا يزال متصفًا بالبشرية وبالعبودية.
قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[الكهف: ١١٠]، بل إن الرسل كلهم لم يخرجوا عن وصف البشرية كما حكى الله عن الرسل قولهم ولأممهم:{إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}[إبراهيم: ١١]، ولمَّا تعنَّت بعض المشركين وطلبوا منه بعض الآيات التي لا يقدر عليها إلاَّ الله، قال الله تعالى له:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٣]. فهل من دليل يفيد أن الرسل ما خرجوا عن طبيعة البشرية، فصاروا يعلمون الغيب ويملكون التصرف في الكون، ويشاركون الرب في الإعطاء والمنع، والضر والنفع، ونحو ذلك؟ أليس قد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[الأحقاف: ٩].
بل أمره الله تعالى أن ينفي عن نفسه هذه الأمور، حيث قال تعالى:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}[الأنعام: ٥٠] ....
الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو النور والسراج المنير:
فأما قوله - أي المناوئ السابق -: [وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير بأن الله قد وصفه بالسراج المنير بصيغة المبالغة، بمعنى أن الله عز وجل يمد بواسطته كل من أراد هدايته بالأنوار والأسرار ... إلخ].