قال في الرسالة: ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم، ولا بأس به بالحناء والكتم. وفي القوانين: يجوز صبغ الشعر بالصفرة والحناء والكتم اتفاقًا. واختلف هل الأفضل الصبغ أو تركه؟ وكان من السلف من يفعله ومن يتركه. واختلف في جواز الصبغ بالسواد وكراهته. فقال مالك: ما سمعت فيه شيئًا وغير أحب إليّ، وكرهه قوم، لحديث أبي قحافة: ويكره نتف الشيب، وإن قصد به التلبيس على النساء فهو أشد في المنع قلت: ومثل نتف الشيب تصبيغ الشعر لقصد التدليس فهو محرم كما في المصنف إلا عند الحرب لترهيب الأعداء فيجوز؛ لأن الحرب خداع.
ثم قال رحمه الله تعالى:(ولا بأس بالتداوي والرقى والتعوذ بأسماء الله تعالى)، يعني أنه يجوز استعمال الدواء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباحه وأذن فيه فقال:((ما أنزل الله داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله فتداووا عباد الله))، وتحمل النقول المخالفة لهذا على حالة الاختيار والجواز على حالة الاضطرار فيتفق النقلان اهـ. النفراوي. وإلى ذلك اشار ابن جزي في القوانين بقوله:
المسألة الثانية: من الناس من اختار التداوي لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء))، ومنهم من اختار تركه توكلاً على الله وتفويضًا إليه وتسليمًا لأمره تبارك وتعالى. وروي ذلك عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وبه أخذ أكثر المتصوفة. وأما الرقى فلا بأس بها بكتاب الله تعالى ولو بآية منه قال تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}[الإسراء: ٨٢]. ويرقى بالفاتحة وآخر ما يرقى به منها:{وإياك نستعين}[الفاتحة: ٥]. ومما يرقى به كثيرًا آيات الشفاء ومحاه بماء النيل وسقاه لمن به مرض مثقل، فإن قدر له الحياة شفاه الله بأسرع وقت، وإن قدر له الموت سكن ألمه وهون عليه الموت وقد جرب مرات كثيرة فصح. وآيات الشفاء ست: الأولى: {ويشف صدور قوم مؤمنين}[التوبة: ١٤]، الثانية:{وشفاء لما في الصدور}[يونس: ٥٧]، الثالثة: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء