للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان المرة الثالثة لشق صدره الشريف عند المبعث، وذلك لإعداد قلبه لتحمل عبء الوحي والرسالة، بقلب قوى فى أكمل الأحوال من التطهير (١) فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهراً هو وخديجة بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع: السلام عليك، فقال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعاً حتى دخلت على خديجة، فسجتنى ثوباً، وقالت: ما شأنك يا ابن عبد الله؟ فقلت سمعت: السلام عليك، فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر يا ابن عبد الله، فإن السلام خير، قال: ثم خرجت مرة فإذا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، قال فهلت (٢) منه، فجئت مسرعاً، فإذا هو بينى وبين الباب، فكلمنى حتى أنست به، ثم وعدنى موعداً، فجئت له فأبطأ علىَّ، فأردت أن أرجع، فإذا أنا به وميكائيل قد سدا الأفق، فهبط جبريل وبقى ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذنى جبريل، فاستلقانى لحلاوة القفا، ثم شق عن قلبى، فاستخرجه، ثم استخرج منه ما شاء الله أن يستخرج، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه، ثم أكفأنى كما يكفأ الأديم، ثم ختم فى ظهرى حتى وجدت مس الخاتم فى قلبى، ثم قال: اقرأ، ولم أك قرأت كتاباً قط، فلم أجد ما أقرأ، ثم قال: اقرأ، قلت ما أقرأ قال {اقرأ باسم ربك الذى خلق} (٣) حتى انتهى إلى خمس آيات منها، فما نسيت شيئاً بعد، ثم وزننى برجل، فوزنته، ثم وزننى بآخر فوزنته، حتى وزننى بمائة رجل، فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة، فجعلت لا يلقانى حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، حتى دخلت على خديجة قالت: السلام عليك يا رسول الله" (٤)


(١) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب ١/٢٨٨، ٤١٩، ٤٢٠، وفتح البارى ٧/ ٢٤٤ رقم ٣٨٨٧.
(٢) أى فَهِبتُ منه، كما جاء فى رواية الطيالسى فى مسنده ص٢١٦ رقم ١٥٣٩.
(٣) الآية الأولى العلق.
(٤) أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة ١/٢١٥، ٢١٦ رقم ١٦٣، وأبو داود الطيالسى فى مسنده ص٢١٥، ٢١٦ رقم ١٥٣٩، وإسناده حسن كما قال الحافظ فى فتح البارى ١/٣٣ رقم ٣، وأخرجه الحارث بن أسامة فى مسنده كما قال الحافظ فى فتح البارى ١٣/٤٨٩ رقم ٧٥١٧.

<<  <   >  >>