للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وفيما قصه النبى صلى الله عليه وسلم عن نفسه من خبر حفظ الله إياه من كل سوء منذ صغره وصدر شبابه، ما يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية:

الأولى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً بخصائص البشرية كلها، وكان يجد فى نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التى اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها. فكان يحس بمعنى السمر واللهو، ويشعر بما فى ذلك من متعة، وتحدثه نفسه لو تمتع بشئ من ذلك كما يتمتع الآخرون.

الثانية: أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف، وعن كل مالا يتفق مع مقتضيات الدعوة التى هيأه الله لها، فهو حتى عندما لا يجد لديه الوحي أو الشريعة التى تعصمه من الاستجابة لكثير من رغائب النفس، يجد عاصماً آخر خفياً يحول بينه وبين ما قد تتطلع إليه نفسه مما لا يليق بمن هيأته الأقدار لتتميم مكارم الأخلاق، وإرساء شريعة الإسلام (١) .

جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى ودفع ما يتوهم عكس ذلك:

... عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: "لما بنيت الكعبة ذهب النبى صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة، فقال العباس للنبى صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة. ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: "إزارى إزارى" فشد عليه إزاره، وفى رواية: فما رؤى بعد ذلك اليوم عرياناً" (٢) .


(١) ينظر: فقه السيرة للدكتور محمد البوطى ص٥٠، ٥١.
(٢) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة ٢/٢٦٨ رقم ٣٤٠، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها ٣/٥١٣ رقم ١٥٨٢.

<<  <   >  >>