للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. بعد هذا يتضح لك، أن وحى الله تعالى (كتاباً وسنة) والذى بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعصمة الله له، لم يكن مأخوذاً من اليهودية أو النصرانية، وإنما هو وحى مستقل، لم يتأثر بغيره، وبالتالى دين الإسلام، دين قائم بذاته، متميز عن غيره، وإذا وجد تشابه بين نسك إسلامى، وبين عمل سابق منسوب إلى شريعة اليهود أو النصارى. دل ذلك على أن أصل الدين الذى جاء به رسل الله واحد. لقوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} (١) وبياناً لذلك وتأكيداً له، قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" (٢) والمراد بـ (إخوة لعلات) الذين أمهاتهم مختلفة، وأبوهم واحد. أراد أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة (٣) أهـ.

والله تعالى أعلى وأعلم

[المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها]

... تشبث بعض المستشرقين وأبواقهم المقلدون لهم بما ذكره بعض كتاب السيرة النبوية، وجماعة من المفسرين، وطوائف من المحدثين فى كتبهم، بأقصوصة "الغرانيق" وألصقوها بهجرة الحبشة، وجعلوها سبباً لعودة المهاجرين الأولين إلى مكة.

... وهى أقصوصة مختلقة، باطلة فى أصلها وفصلها، وأكذوبة خبيثة فى جذورها وأغصانها، واتخذ أعداء الإسلام منها سلاحاً للطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تسلط الشيطان عليه، وعصمته فى بلاغه لوحى الله تعالى.


(١) الآية ١٣ الشورى.
(٢) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأنبياء، باب واذكر فى الكتاب مريم ٦/٥٥٠ رقم ٣٤٤٣، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى ابن مريم ٨/١٣٠ رقم ٢٣٦٥ من حديث أبى هريرة.
(٣) النهاية ٣/٢٦٣، وينظر: الفائق فى غريب الحديث ٣/٤٤، والمنهاج شرح مسلم ٨/١٣٢ رقم ٢٣٦٥.

<<  <   >  >>