للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الغين همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم، وسببه اشتغاله بالنظر فى مصالح أمته وأمورهم، ومحاربة العدو ومداراته، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه، فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته. وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهى نزول عن عالى درجته، ورفيع مقامه من حضوره مع الله تعالى ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك.

أن الغين هو السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله} (١) ويكون استغفاره إظهاراً للعبودية والافتقار، وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه (٢) .

أن الغين حاله خشية وإعظام، والاستغفار شكرها، ومن ثمَّ قيل: خوف الأنبياء والملائكة خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى.

أن الغين ليست حالة نقص فى حاله صلى الله عليه وسلم، بل هو كمال أو تتمة كمال ومثال ذلك: بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلاً، فإنه يمنع العين من الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفى الحقيقة هو كمال. فهكذا بصيرة النبى صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها، ووقاية عن ذلك (٣) .

قلت: والأقوال السابقة معناها محتمل، وجائزة فى حقه صلى الله عليه وسلم، ولا تناقض عصمته. أهـ. والله أعلم.


(١) الآية ٢٦ التوبة.
(٢) المنهاج شرح مسلم للنووى ٩/٢٩، ٣٠ رقم ٢٧٠٢، والشفا ٢/١٠٦، ١٠٧.
(٣) ينظر: فتح البارى ١١/١٠٤، ١٠٥ رقم ٦٣٠٧، وشرح الزرقانى على المواهب ٧/١٣١ – ١٤٠.

<<  <   >  >>