للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٠

... ويجاب عن ما سبق إجمالاً بما يلى:

أولاً: إن عتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الوارد فى القرآن الكريم، هو فى الظاهر عتاب، وفى الحقيقة كرامة وقربة لله عز وجل، وتنبيه لغيرهم ممن ليس فى درجتهم من البشر، بمؤاخذتهم بذلك، فيستشعروا الحذر، ويلتزموا الشكر على النعم، والصبر على المحن، والتوبة عند الزلة (١) .

ثانياً: أن لله تعالى أن يعتب أنبياءه وأصفياءه، ويؤدبهم، ويطلبهم بالنقير والقطمير من غير أن يلحقهم فى ذلك نقص من كمالهم، ولا غض من أقدارهم، حتى يتمحصوا للعبودية لله عزوجل (٢) .

ثالثاً: أن غاية أقوال الأنبياء وأفعالهم التى وقع فيها العتاب من الله عز وجل لمن عاتبه منهم، أن تكون على فعل مباح، كان غيره من المباحات أولى منه فى حق مناصبهم السنية.

رابعاً: المباحات جائز وقوعها من الأنبياء، وليس فيها قدح فى عصمتهم ومنزلتهم، فهم لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات، مما يتقون به على صلاح دينهم، وضرورة دنياهم، وما أخذ على هذه السبيل التحق طاعة، وصار قربة (٣) .

خامساً: أنه ليس كل من أتى ما يلام عليه يقع لومة، فاللوم قد يكون عتاباً، وقد يكون ذماً، فإن صح وقوع لومه، كان من الله عتاباً له لا ذماً، إذ المعاتب محبور (٤) والمذموم مدحور، فاعلم – رحمك الله – صحة التفرقة بين اللوم والذم قال الشاعر:

لعل عتبك محمود عواقبه ... *** ... فربما صحت الأجسام بالعلل (٥) .

إذا ذهب العتاب فليس ود ... *** ... ويبقى الود ما بقى العتاب (٦) .


(١) الشفا ٢/١٧١ بتصرف.
(٢) يراجع: ص١٣٢ – ١٣٧.
(٣) يراجع: ص١٢٧.
(٤) أى مظنة للحبور، وهو السرور. النهاية فى غريب الحديث ١/٣١٦.
(٥) البيت للمتنبى فى ديوانه (بشرح العكبرى) ٣/٨٦.
(٦) البيت فى الأمثال والحكم للرازى ص١٠٣ ولم ينسبه، وينظر: تنزيه الأنبياء لعلى السبتى ص١١٨، ١١٩.

<<  <   >  >>