.. فأنزل الله تعالى: يبين له أن ترك الإذن لهم كان أولى، لما يترتب عليه من انكشاف الصادق من الكاذب، فيما أبدوه من الأعذار، واستفتح رب العزة ما أنزله بجملة دعائية. هى قوله:{عفا الله عنك} على عادة العرب فى استفتاح كلامهم بهذه الجملة، أو بقولهم: غفر الله لك، أو جعلت فداك، أو نحوها يقصدون تكريم المخاطب؛ إذا كان عظيم القدر، ولا يقصدون المعنى الوصفى للجملة (١) .
... ولو بدأ رب العزة حبيبه ومصطفاه بقوله:{لم أذنت لهم} لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام، لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه، ثم قال له: لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق فى عذره من الكاذب؟
... وفى هذا من عظيم منزلته عند الله مالا يخفى على ذى لب، ومن إكرامه إياه وبره به، ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب.
... فليتأمل كل مسلم! هذه الملاطفة العجيبة فى السؤال من رب الأرباب، المنعم على الكل، المستغنى عن الجميع، ويستثير ما فيها من الفوائد.
(١) دلالة القرآن المبين على أن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين ص٦٨ بتقديم وتأخير، وينظر: خواطر دينية ص٤٣، ٤٤ كلاهما لعبد الله الغمارى، وشرح الزرقانى على المواهب ٩/٤٠ – ٤٢، والشفا ٢/١٥٨، ١٥٩.