للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. والمعنى على الوجه الثانى: نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون له أسرى قبل الإثخان فى الأرض، والمبالغة فى إضعاف قوة العدو، ولا يستلزم هذا النهى وقوع المنهى عنه من المخاطب، لجواز

أن يكون وقوع المنهى عنه، كان ممن له صلة تبعية بالمخاطب، ويؤيد هذا أن "التنكير – أى تنكير نبى فى قوله "ما كان لنبى" إبهاماً فى كون النفى لم يتوجه عليه معيناً" (١) تلطفاً به صلى الله عليه وسلم، وإشارة إلى أن هذا سنة من سنن الله تعالى مع أنبيائه وبياناً لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم متوجه القصد، إلى أن يكون له أسرى قبل الإثخان فى العدو، وإكثار القتل، والجراح فيه، وعلى ذلك يكون الخطاب – فى ظاهره – موجهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا التلطف الذى يبرئ سماحته صلى الله عليه وسلم مما يوجب العتاب، ويكون الخطاب - فى حقيقته - موجهاً إلى الذين أسرعوا فى إنهاء المعركة، وأخذ الغنائم والأسرى بمجرد ظهور طلائع النصر، ولم يصبروا حتى يكثروا القتل فى العدو كسراً لشوكته. وقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن إرادة شئ من الدنيا بتوجيه الكلام بطريق الإفراد فى أول الكلام فى قوله "ما كان لنبى" الذى أخرج مخرج الغيبة، مع أن المقصود به هو النبى صلى الله عليه وسلم، إلى الجمع فى قوله: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} الذى قصد به بعض الصحابة، ممن تجرد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المراد بهذا النبى صلى الله عليه وسلم ولا علية أصحابه رضى الله عنهم (٢) .


(١) البحر المحيط ٤/٥١٨.
(٢) الشفا ٢/١٥٩، والمواهب اللدنية وشرحها ٩/٤٦، ٤٧.

<<  <   >  >>