للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وهذا يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سعد بن معاذ ما رأى فى وجهه من كراهية ما يصنع القوم، فاستفسره عن ذلك، فقال له: "والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ " فقال سعد: أجل يا رسول الله، وعلل سعد ذلك بأن هذه أول وقعة فى الإسلام نصر الله فيها المسلمين على أعدائهم من المشركين، فكان الإثخان فى القتل أحب إليه من استبقاء الرجال. وفيه دلالة على أن المعاتب عليه عدم الإثخان فى القتل، والإسراع إلى الغنيمة، لا أخذ الفداء، لأن سعداً أبان عن رأيه قبل الاستشارة فى أخذ الفداء، وهذا كالصريح فى أن أخذ الفداء من الأسرى لا عتاب عليه، وقد بين الله تعالى هذا بقوله {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} (١) فإنه تعالى لعظيم فضله، وبالغ رحمته، منع عذابه العظيم عن المؤمنين المجاهدين يوم بدر، الذى استحقوه بما مالت إليه أنفسهم من الإسراع فى جميع الغنائم، قبل إكثار القتل فى عدوهم.

... وهذه الآية الكريمة: {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} (٢) كما هو ظاهر منها لا تمنع الأسر، وأخذ الفداء نهائياً، ولكنها تقرر أنهما لا يكونان إلا بعد الإثخان فى الأرض بظهور المسلمين على أعدائهم.

... وهى لا تتنافى مع آية سورة محمد {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء} (٣) فلا زيادة فى حكم هذه الآية، على آية الأنفال، لأن كلتا الآيتين متوافقتان "فإن كلتيهما تدلان على أنه لابد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء" (٤) فلا نسخ إذن كما يزعم البعض.

... ولكن بعض الصحابة رضى الله عنهم حين اشتغلوا بجمع الغنائم قدموا عرض الدنيا على الآخرة فخالفوا ما أراده الله تعالى لهم من عظيم الظهور وقوة الشوكة.


(١) الآية ٦٨ الأنفال.
(٢) الآية ٦٧ الأنفال.
(٣) الآية ٤ محمد.
(٤) التفسير الكبير للرازى ١٥/٢٠٢.

<<  <   >  >>