.. ويوضح هذا ويبينه ما وقع منه صلى الله عليه وسلم فى قصة عائشة رضى الله عنها، حين أتاه جبريل عليه السلام، قبل أن يتزوجها بأمد بعيد، بصورتها على ثوب من حرير، وقال له:"هذه امرأتك"، وقد عرفها رسول صلى الله عليه وسلم يقيناً، ولم يشك فى أنها ستكون من أزواجه الطاهرات، ومع ذلك فقد ترك هذا الأمر سراً مكتوماً بينه وبين ربه، وقال:"إن يك هذا من عند الله يمضه"(١) أى أنه من الله ولابد، فلأتركه إلى أن يجئ وقته الموعود، فلما جاء هذا الوقت أظهره الله تعالى، وتم ما أراد عزوجل.
إذن ليس فى الإخفاء المذكور منقصة، ولا خيانة للوحى، كلا، بل لو أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أذاع هذا السر المكنون، والأمر المصون، لكان ذلك هو الخروج عن دائرة الحزم والكمال.
(١) قيل: التردد هنا فى: هل هى رؤيا وحى على ظاهرها وحقيقتها، أو هى رؤيا وحى لها تعبير؟ وهذا هو المعتمد فى تأويلها. ينظر: فتح البارى ٩/٨٨ رقم ٥١٢٥، والحديث فى صحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضى الله عنها ٨/٢١٧ رقم ٢٤٣٨، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج ٩/٨٦ رقم ٥١٢٥.