للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد: أليس فيما سبق تأكيد لما فى آية التحريم من منَّة وتكريم وتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشفقة عليه، ورفقاً به، بحيث لا يجب عليه أن يمتنع عن شئ مباح له من أجل مرضاة أزواجه، إذ هن وسائر الأمة كافة أحق أن يسعوا فى مرضاته ليسعدن فى الدنيا والآخرة؟! وإذا افترض أن فى الآية إنكاراً عليه، ودليل على أنه صدر منه ذنب – عصمه الله من ذلك - فقوله تعالى فى ختام الآية {والله غفور رحيم} يدل على حصول الغفران، وبعد حصول الغفران، يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه!.

بمعنى: أنه يمتنع أن يقال أن قوله {لم تحرم ما أحل الله لك} دليل على كون الرسول مذنباً! وإذا صح أن فى الآية عتاب، فهو وارد بأحسن ما يكون العتاب من تعظيم المولى عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، حيث ناداه وخاطبه فى هذا المقام بوصف النبوة فى أكثر من موطن فى القصة بدأً من أولها، قال تعالى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك} (١) وقوله سبحانه: {وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا} (٢) ولكن أنى يكون العتاب؟ وأنى يصح افتراضه، مع ما ورد فى القصة من قوله عز وجل: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} (٣) إن فى الآية بيان لمن أذنب، ولمن يستحق العتاب والتأديب، من نسائه اللائى تظاهرن عليه صلى الله عليه وسلم، وأفشين سره، إنهن بالتظاهر، وإفشاء السر، آذين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوبة من ذلك واجبة فى حقهن، لأن قلوبهن قد مالت عن الحق، كما تدل عليه قراءة ابن مسعود رضى الله عنه {زاغت قلوبكما} (٤) وعلى هذا فإن قوله {فقد صغت قلوبكما} ليس جواب الشرط، وإنما هو دليله وتعليله.


(١) الآية الأولى التحريم.
(٢) الآية ٣ التحريم.
(٣) الآية ٤ التحريم.
(٤) روح المعانى ٢٨/ ١٥٢.

<<  <   >  >>