للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: اتفق العلماء على أنه لا يصح أن تكون هذه الكلمة "أهجر" إخباراً، لأن الهجر بالضم، ثم السكون، من الفحش أو الهذيان، والمراد به هنا: ما يقع من كلام المريض الذى لا ينتظم، ولا يعتد به لعدم فائدته (١) . ووقوع ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم مستحيل فى حقه، لأنه معصوم فى صحته ومرضه، لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} (٢) ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فوالذى نفسى بيده ما يخرج منه (أى من فمه الشريف فى حال غضبه، ورضاه، وكذا صحته ومرضه) ، إلا حق" (٣) .

... وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى فى الحديث "هجر" أو "يهجر" (٤) وهى محمولة عند أهل العلم على وجهين:

الوجه الأول: حذف ألف الاستفهام، والتقدير أهجر؟.

... ويؤيد صحة هذا الحمل، أنه لو احتمل من بعض الصحابة أنه قال تلك الكلمة، إخباراً عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن شك عرض له فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حال مرضه، لوجد من ينكره عليه من كبار الصحابة، بل من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه رداً عن عصمته، ولو ثبت الإنكار من الصحابة أو الرسول، لنقل إلينا، ولا نقل! وهو ما يؤكد صحة هذا المحمل.


(١) النهاية فى غريب الحديث ٥/٢١٣، وينظر: فتح البارى ٧/٧٣٩ رقم ٤٤٣٢.
(٢) الآية ٣ النجم.
(٣) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب العلم، باب فى كتاب العلم ٣/٣١٨ رقم ٣٦٤٦، وأخرجه أحمد فى مسنده ٢/ ١٦٢، ١٩٢، والحاكم فى المستدرك ١/١٨٧ رقم ٣٥٩ وقال على شرط مسلم، ووافقه الذهى، وسيأتى ذكر قصة الحديث ص٢٧٧.
(٤) ينظر: تخريج حديث بحثنا، رواية البخارى رقم ٣٠٥٣، وطريق من رواية مسلم رقم ١٦٣٧، وأحمد فى مسنده ١/٣٥٥.

<<  <   >  >>