للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما القسم الثانى: توفيقى، وهو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم باجتهاده مما يعلم أنه من شرع الله تعالى، فإن وافق قوله أو فعله مراد الله تعالى، فالأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح أو توضيح. أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك (١) كما فى حديث أبى قتاة رضى الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرأيت إن قتلت فى سبيل الله؛ تكفر عنى خطاياى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت فى سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت فى سبيل الله، أتكفر عنى خطاياى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لى ذلك" (٢) .

... فتأمل استدراك الوحي من خلال جبريل، لم اجتهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادة الدين فى جوابه صلى الله عليه وسلم.

... وهذا القسم الاجتهادى التوفيقى هو الأقل فى السنة الشريفة، ويدخل فى هذا القسم ما صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة والطبيعة وأقره الله تعالى عليها، كشؤونه فى طعامه وشرابه ولباسه، وجلوسه ونومه، وما ماثل ذلك، فإن ذلك كله بعد تقرير الله عز وجل له، يكون بمنزلة الوحي حجة على العباد ما لم يقم دليل على خصوصيته بالنبى صلى الله عليه وسلم (٣) .


(١) وهو ما يسميه الأحناف بالوحي الباطنى. ينظر: أصول السرخسى ٢/٩٠.
(٢) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الأمارة، باب من قتل فى سبيل الله كفرت عنه خطاياه إلا الدين ٧/٣٥ رقم ١٨٨٥.
(٣) وسيأتى مزيد من تفصيل ذلك فى الجواب عن شبهة أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى الشريعة يؤيد أن السنة النبوية ليست كلها وحى ص٤٢١.

<<  <   >  >>