للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هكذا يعترف له قومه أجمعون بالصدق، وعدم عثورهم على ما يناقض هذا الخلق منه، وهم وإن لم يكونوا قد ناصبوه العداء آنذاك، إلا أن هذه الشهادة وغيرها ظلت قائمة لا ينازعون فيها، ولم يسحبوها حينما جاهرهم بالدعوة وناصبوه العداء، وقد حرصوا بعد ذلك على صد الناس عن الإيمان كل الحرص، وبذلوا كل جهد، غير أنهم لم يقدروا أن ينالوا من صدقه وأمانته وعفافه.. حتى قال أبو طالب فى لاميته المشهورة التى قالها إبان المقاطعة التى ضربوها عليه وعلى قومه بنى هاشم، لعدم كفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوته، أو تخليهم عنه، قال لهم مذكراً بحاله وأخلاقه:

لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... *** ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل (١) .

... فهم يعلمون هذه الحقيقة حقا، ولكن تعاموا عنها، وأعماهم الباطل والكبر والعناد، كما قال الله تعالى: {وجحدوا بها واستيقانتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً} (٢) وكما قال عز وجل: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (٣) ومما روى فى ذلك تفسيراً للآية الأخيرة.

أن الأخنس بن شريف سأل أبو جهل، وقد خلا كل منهما بالآخر يوم بدر، فقال: يا أبا الحكم، أخبرنى عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيرى وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذ ذهب

بنو قصى باللواء، والحجابة، والسقاية، والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله تعالى: {فإنم يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} : قال: "فآيات الله يا محمد: محمد صلى الله عليه وسلم" (٤) .


(١) السيرة النبوية لابن هشام مع الروض الأنف ٢/٢٨.
(٢) الآية ١٤ النمل.
(٣) الآية ٣٣ الأنعام.
(٤) أخرجه ابن جرير فى تفسيره جامع البيان ٧/١٨١ عن السدى الكبير، وذكره ابن كثير فى تفسيره ٣/٢٤٦، ٢٤٧ معزواً إليه، ويعضد هذه الرواية، حديث على بن أبى طالب المذكور بعده أهـ.

<<  <   >  >>