للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن آية التمنى ليس فيها دلالة على شئ من فرية الغرانيق من قريب أو بعيد، لولا ما افتراه الزنادقة من مراسيل واهية فى أسباب نزولها! وقد فسر آية التمنى كثير من جهابذة علماء الإسلام فى تفاسيرهم المتداولة بين الأمة، ولم يظهر لهم قط حاجة إلى إلصاق القصة بتفسير الآية، ومن هؤلاء المفسرين الجهابذة، أبو حيان فى تفسيره (البحر المحيط) (١) والشوكانى فى تفسيره (فتح القدير) (٢) وأبو بكر بن العربى فى (أحكام القرآن) (٣) على أن معنى الآية لا ينسجم مع مفاد الرواية، فإن التمنى هو: تشهى حصول أمر محبوب ومرغوب فيه (٤) فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما يتشهى ويتمنى ما يتناسب مع وظيفته كرسول، وأعظم أمنية لإنسان كهذا، هى ظهور الحق والهدى، وطمس الباطل، وكلمة الهوى، فيلقى الشيطان بغوايته للناس ما يشوش هذه الأمنية، ويكون فتنة للذين فى قلوبهم مرض، كما ألقى فيما بين أمة موسى من الغواية ما ألقى، فينسخ الله بنور الهدى غواية الشيطان، ويظهر الحق للعقول السليمة.

أما لو أردنا تطبيق الآية على ما يقولون: فإن المراد بالتمنى يكون هو القراءة والتلاوة، وهو معنى شاذ غريب، يخالف الوضع اللغوى، وظاهر اللفظ، أما الشعر المنقول عن حسان بن ثابت، كشاهد على ذلك، فمشكوك فى نسبته إليه (٥) .


(١) ٦/٣٨٠ – ٣٨٢.
(٢) ٣/٤٦١.
(٣) ٣/١٢٨٧ – ١٢٩٢.
(٤) ينظر: لسان العرب ١/١٤٠ – ١٤٤ حيث ساق شواهد من الحديث والآثار وكلام أئمة اللغة، تدل على أن معنى التمنى والأمنية، هو: الإرادة والمحبة، والرغبة فى حصول الشئ واشتهاء وقوعه أهـ.
(٥) ينظر: الصحيح من سيرة النبى الأعظم ٣/١٤٤، ومحمد رسول الله ٢/٧٠، ٧٣.

<<  <   >  >>