.. كما أن ما أطلقوا عليه سنة غير تشريعية وضع له الإسلام قرآنا وسنة، أرقى أنواع التشريع، لأن ما يصدر عن القاضى والحاكم ونحو ذلك مما يطلقون عليه سنة غير تشريعية، له علاقة بالأفراد والجماعات وهذه العلاقة تحكمها دائماً قواعد وضوابط لئلا يحيف بعض الأطراف على بعض؛ فهل يعقل أن الله عز وجل يترك المعاملات من بيع وشراء، وتفصيل الربا، والرهن، والشركة، وغيرها من المعاملات دون تشريع؟.
... وهل يعقل أن يترك القاضى ورئيس الدولة ونحوهم دون تشريع ينظم علاقة كل منهما بمن تحت سلطانهم وحكمهم؟!.
وبالجملة: هل يعقل أن يترك البشرية هملاً فى شئون دنياهم يأكل بعضهم مال بعض، ويظلم بعضهم بعضاً تحت عنوان:"أنتم أعلم بشئون دنياكم"؟.
... هل يعقل أن يترك الله تعالى رسالة الإسلام (قرآناً وسنة) بما فيها من عقيدة وشريعة، ودين ودنيا، لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون رقابة أو تصحيح؟ فيخطئ، فتعمل الأمة مجتمعة بالخطأ أكثر من خمسة عشر قرناً حتى يبعث الله لها من يرعى مصالحها، أو يزعم أنه أعلم بمصالحها، ويخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من تشريعات فى شئون الدنيا؟ أظن أن العقل المسلم السليم يستبعد ذلك كل الاستبعاد.
... ومن هنا فلا يصح أن يكون المعنى فى قوله صلى الله عليه وسلم:"أنتم أعلم بأمر دنياكم" أن كل فرد أو أمة أعلم من غيرها بشئون ومصالح نفسها فى الأمور الدنيوية؛ لأن هذا المعنى وإن صح فى المباحات، فلا يصح فى الواجبات والمحرمات، فالشرع وحده هو الذى حددها على أنها مصلحة بناء على سبق علمه الذى خلق.