للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. قال الإمام النووى: "وقد فهم مسلم – رحمه الله – من هذا الحديث، أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله فى هذا الباب يعنى باب (من لعنه النبى صلى الله عليه وسلم، أو سبه، أو دعاء عليه، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة) وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه فى الحقيقة يصير دعاء له" (١) .

... وقال الحافظ ابن كثير: "وقد انتفع معاوية رضى الله عنه، بهذه الدعوة فى دنياه وأخراه، أما فى دنياه، فإنه لما صار إلى الشام أميراً، كان يأكل فى اليوم سبع مرات، يجاء بقصعة فيها لحم كثير، وبصل فيأكل منها، ويأكل فى اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً، ويقول: والله ما أشبع، وإنما أعيا – أى أتعب – وهذه نعمة، ومعدة يرغب فيها كل الملوك، وأما فى الآخرة فقد اتبع المسلمون هذا الحديث، بالحديث الذى رواه البخارى وغيرهما من غير وجه، عن جماعة من الصحابة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته، أو جلدته، أو دعوت عليه، وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة" (٢) فركب مسلم من الحديث فضيلة لمعاوية، ولم يورد له غير ذلك" (٣) .

... وبالجملة: فحديثنا ليس فيه ما يعارض عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه، وخلقه العظيم؛ بل فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، وجميل خلقه، وكرم ذاته، حيث قصد مقابلة ما وقع منه، بالجبر والتكرم.

... وهذا كله فى حق معين فى زمنه واضح، وأما ما وقع منه صلى الله عليه وسلم بطريق التعميم لغير معين، حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فلا يشمله" (٤) .

وبعد:


(١) المنهاج شرح مسلم ٨/٤٠٢ رقم ٢٦٠٤.
(٢) سبق تخريجه ص٤٩٢.
(٣) البداية والنهاية ٨/١٢٢، ١٢٣.
(٤) وفى ذلك رد على التعميم الذى فهمه وزعمه نيازى عز الدين من حديثنا. ويراجع نص كلامه ص٤٩٢.

<<  <   >  >>