...والصواب هو رأي الجمهور لأَنَّ الأثر في البند أيقول (بُدٌّ من قضاء) و (فلا بدَّ من ذلك) . فهو نص واضح الدلالة على أنهم قد أُمروا بالقضاء. أما قول معمر (سمعت هشاماً يقول: لا أدري أَقضوا أم لا؟) فلا يبطل القول الأول ولا يلغيه، لأن الأول إثبات، والثاني شك، والإثبات مقدَّم على الشك، ثم إن هشاماً روى أنهم أُمروا بالقضاء، وهذا هو الحكم وهو ما نبحث عنه، فإن جاء قوله بعد ذلك إنه لا يعلم إِنْ هم قضَوْا أو لا فإنه لا يُبطل هذا الحكم، لأن فعل الناس لحكمٍ أو عدم فعلهم له لا يقدم ولا يؤخر في ثبوته، فثبوت الحكم شيء، والتزام الناس به شيء آخر. ولمن بقي متشكِّكاً نقدِّم الأثر في البند ب وهو شرح وبيان لما غمض في البند أ، فهو يقول (لا نبالي، والله نقضي يوماً مكانه) ويقول (أتموا يومكم هذا ثم اقضوا يوماً) وهذا منطوق قطعي الدلالة. وعليه فإن الثابت من قول عمر هو القضاء، وقد قاله أمام الصحابة ولم يُعرف له مخالِف.
...أما أثر زيد بن وهب عند ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي الذي يُفهم منه عدم القضاء، فإن البيهقي راوي الحديث يقول عقب روايته له [وكان يعقوب بن سفيان الفارسي يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة ويعدها مما خولف فيه، وزيد ثقة إلا أن الخطأ غير مأمون] فلا تصلح هذه الروايةُ لمعارضة الأثرين الثابتين المثبِتين للقضاء.
٥ - قضاءُ الصوم على المجنون وعلى المغمى عليه يصحوان في نهار رمضان
المجنون، ومثله المغمى عليه، إذا مضى عليه الليل فلم يَصْحُ، ولم يتسنَّ له عقدُ نيةِ الصوم فيه، ثم دخل النهار فصحا، فإن عليه أن يمسك بقية يومه ويقضي يوماً بدله وقد تمَّ بحثُ هذه المسألة في بحث [لا صوم على المجنون والمغمى عليه] في الفصل [صيام رمضان – أحكام عامة] فلا نعيد.