...ويحضرني هنا قول ابن حزم في المحلى [وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاعتكاف أقل من يوم. وقال مالك: لا اعتكاف أقل من يوم وليلة ثم رجع وقال: لا اعتكاف أقل من عشر ليال، وله قول: لا اعتكاف أقل من سبع ليال من الجمعة إلى الجمعة. وكل هذا قول بلا دليل] وقد صدق ابن حزم بأن كل هذا قول بلا دليل.
هل الصيامُ شرطٌ في صحة الاعتكاف؟
ذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فيما رُوي عنهم، إلى اشتراط الصيام مع الاعتكاف، وبرأيهم قال مالك بن أنس والأوزاعي والثوري وأحمد في رواية عنه، ووافقهم أبو حنيفة في الاعتكاف الواجب بالنذر فقط، وأن ما عداه عنده فليس الصيام شرطاً فيه. فيما ذهب علي وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فيما رُوي عنهما، إلى عدم اشتراط الصيام مع الاعتكاف وبرأيهما قال الشافعي والحسن البصري وإسحق بن راهُويه وأحمد في الرواية الأخرى عنه، قائلين إن الصيام مع الاعتكاف مستحَبٌّ فحسب وليس بواجب، بمعنى أن الصيام ليس شرطاً في صحة الاعتكاف. وحتى نتبين وجه الحق في هذه المسألة، ونقف على الصحيح فيها لا بد من استعراض الأدلة المتعلقة بها:
١- قال جلَّ جلاله { ... ثم أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلى الليلَ ولا تُباشِروهُنَّ وأَنتم عاكفونَ في المساجد ... } من الآية ١٨٧ من سورة البقرة.
٢- عن عائشة رضي الله تعالى عنها {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العَشْر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده} رواه البخاري (٢٠٢٥) ومسلم وأبو داود والنَّسائي وأحمد.
٣- وعنها رضي الله تعالى عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال {لا اعتكاف إلا بصيام} رواه الدارَقُطني (٢/٢٠٠) والحاكم والبيهقي وابن أبي شيبة.