إنه لمن المعلوم أن الشرع الحنيف شرع اليُسْر والتيسير على العباد رحمةً بهم، وفضلاً من الله سبحانه، فيُستحب للمسلم أن يعمد إلى الأسهل والأيسر من الأمور إلا أن يكون إثمٌ فيتوقف عنده، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه ... } رواه البخاري (٣٥٦٠) ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك وأحمد
...وعليه فإن المسلم إذا أراد أن يتطوَّع فلْيختر الأيام الباردة والأيام القصيرة، أي فليختر الصوم في فصل الشتاء، ولا يُجشِّم نفسه المشقة باختيار الأيام الحارة والأيام الطويلة في فصل الصيف، تحت ذريعة أن الأجر على قدر المشقة كما يفعل المتنطِّعون المتعمِّقون في مسائل الدين. فعن عامر بن مسعود الجُمَحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة} رواه أحمد (١٩١٦٧) والترمذي والطبراني وابن خُزيمة. قال الترمذي [هذا حديث مرسل] وقد اختُلِف في عامر بن مسعود هل هو صحابي أم تابعي، فالبخاري والترمذي وابن معين اعتبراه تابعياً، وابن منده وابن عبد البر وابن حِبَّان أوردوه في أسماء الصحابة فهو مختلَفٌ فيه، وما اختلف فيه المُحدِّثون يصحُّ الاستدلال به.
الصومُ في الجهاد:
إن الجهاد ذِروةُ سنام الإسلام، وإن ثوابه عظيم وخيره عميم، فإذا ضُمَّ إليه الصيام مع ما فيه من مشقة، فإن الثواب يصبح من الوفرة بحيث أن الله سبحانه يبعِّد صاحبه عن النار سبعين سنة، وإن من الجهاد الرباطَ في سبيل الله فالصوم فيه كالصوم في الجهاد. وقد وردت في فضل الصيام في الجهاد الأحاديث التالية: