إن هذا الحديث ليس حجةً لكم بقدر ما هو حجةٌ لنا فالحديث يدل بالمنطوق على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بها قبل أن تنزل الزكاة، وأن هذا الحديث قد قرنها بالزكاة ليشير بذلك إلى أنها زكاة فتأخذ حكمها، وهذا لا يخالفونه هم، وما دام أنها تأخذ حكم الزكاة وأنها تندرج تحت حكم وجوب الزكاة بلا خلاف بين المسلمين، فإن إبطال هذا الحكم يحتاج إلى نصٍّ، ونصُّهم هذا لا يدل على ما ذهبوا إليه من النسخ، فقول الحديث (فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا، ولم ينهنا ونحن نفعله) يدل على بقاء الحكم وأنه لم يجر عليه تغيير لا أمر ولا نهي، مع استمرار العمل به عند المسلمين. أما دعوى النسخَ فهي باطلةٌ، إِذ لو كان النسخُ مراداً لقال الحديثُ: لقد نهانا أو لم يعزم علينا أو من شاء فعله منكم ومن شاء تركه، فلما لم يقل شيئاً واستمر الحال على حاله من العمل به، فإن ذلك من أوضح الدلالات على بقاء حكم الوجوب إِذ المعلوم بداهةً أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه أن يكرر أقواله وتشريعاته بين الفينة والأخرى.
...فالزكاة مفروضة وواجبة - إلا أنَّ الأحناف يقولون إنها واجبة غير مفروضة جرياً على قاعدتهم التي يفرِّقون فيها بين الفرض والواجب – وهذا الفرض مستمر منذ بدئه إلى يومنا هذا على قاعدة الاستصحاب الأصولية المعروفة، ولا حجةَ ذاتَ اعتبار لمن قالوا بالنسخ أو بالندب.