...فإذا استحضرنا في الأذهان أن صوم عرفة يكفِّر سنتين ومع ذلك أفطر الرسول صلى الله عليه وسلم وأفطر صحابته: أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وآخرون، فإن ذلك يدعونا إلى القول إن الإفطار هو المتعيِّنُ للحاج، وهو المستحَبُّ، وما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يَحْرِم المسلمين من خير هذا الصيام لو كان الأمر على التخيير كما يقول الطبري، إذ مَن من المسلمين وخاصة الصحابةَ من يختار الفطر ويدع ثواب الصيام المكفِّر لسنتين لو كان الفطر فعلاً على الخيار، ولم يكن هو المستحب وهو الأفضل؟! ومنذ متى يدع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته المندوب، بل ربما كان المندوب الأكبر؟! إنه ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أن يفطروا في عرفة بعرفة إلا لأن الفطر هو المندوب وليس الصوم.
...أما قولهم إن الصوم أفضل إلا لمن ضعف عن الدعاء والذكر فالفطرُ له أفضل، فهو قول لا دليل عليه، وهو تأويل وتعليل لم يرد في النصوص فلا يُلتفت إليه. وعليه فإني أقول: إن الصوم في عرفة لغير الحاج مندوب، وإن الفطر في عرفة للحاج هو المندوب.
صومُ عاشوراء:
...ويأتي هذا الصوم في منزلةٍ تلي منزلة صوم عرفة، ذلك أنَّ صيام يوم عرفة يكفِّر سنتين، أما صيام عاشوراء فيكفِّر سنة واحدة، وإن تكفير سنةٍ كاملةٍ لا شك في أنه خير كبير وفضل عظيم أيضاً، فليحرص المسلم على صيامه ليمحو آثامه وذنوبه التي اقترفها في عام كامل وما أكثرها، خاصة في زماننا هذا الذي هُجر فيه الدين فصار غريباً، وفشت فيه جميع المعاصي والمنكرات والقبائح والرذائل، حتى بات المتدين لا يكاد يجد بقعة من الأرض يطمئن فيها إلى الحفاظ على دينه، والسلامة من الشرور والآثام، وقد جاء ذكر صوم عاشوراء فيما يلي: