فتبقى حالة ما إذا كان الجنون، أو الإغماء، قد حصل في الليل، فلم يتمكن الشخص من أن يعقد نية الصوم، ثم زال عارض الجنون أو الإغماء في جزء من النهار ففي هذه الحالة يتوجب على هذا الشخص أن يمسك فوراً عن المفَطِّرات، ويصوم بقية اليوم ثم يقضيه في يوم آخر لأن النية ركن وشرط في الصيام لا يصح بدونها، فلا يصح منه الصيام في هذه الحالة، ولذا وجب عليه القضاء. وحيث أنه أدرك جزءاً من النهار وهو مفيق فإنه يكون قد أدرك جزءاً من عبادةٍ واجبةٍ، فوجب أن يمسك عن المفطرات ومثل هذه الحالة ما رواه عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه {أن أَسلمَ أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فأَتمُّوا بقيةَ يومِكم، واقضوه} قال أبو داود: يعني يوم عاشوراء. رواه أبو داود (٢٤٤٧) والبيهقي. قوله أَسلم: أي قبيلة أسلم. فقد جاء في هذا الحديث (أتمُّوا بقية يومكم واقضوه) وأما كون هذا النص في يوم عاشوراء فلا يغير من الأمر شيئاً.
ومن ذلك يظهر أن قول مالك وأحمد: يقضي وإن مضى عليه سنون هو خطأ وأن قول أبي حنيفة: إن جُن جميع الشهر فلا قضاء عليه، وإن أفاق في أثنائه قضى ما مضى، هو أيضاً خطأ، وخطؤُه آت من اعتباره رمضان كله عبادةً واحدة، ولو كان يعتبر صيام كل يوم عبادة منفصلة تحتاج إلى نية، لما قال ما قال. وإن قول أبي ثور والشافعي في الجديد: فأما المجنون فلا يلزمه قضاء ما مضى هو قول سديد صائب.
حِلُّ الجماع في ليالي الصيام:
كان الجماع في ليل رمضان محظوراً في البداية وقيل كان محظوراً في الليل عقب النوم، أما قبل النوم فكان جائزاً، وقد وردت النصوص في كلا الأمرين. وقد شق الامتناعُ عن الجماع على ناس من الصحابة فقارفوه، فوقعوا في الإثم، فنزل قوله تعالى يذكر ذلك، ويرفع الحظر عن الجماع في ليالي رمضان. وهذه طائفة من النصوص تذكر ذلك: