...وكما جاء تشريع صيام اليوم التاسع احتياطاً – أي مخافة أن يفوته عاشوراء – كما ورد في رواية ابن ماجة، فقد جاء التشريع بعلة أخرى ربما كانت هي الأصلَ، وهي الأَوْلى، هي أن اليهود كانوا يصومون عاشوراء كما سيأتي بيان ذلك بعد قليل، وحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحثُّ المسلمين دائماً على مخالفة اليهود والنصارى، فإنه أراد أن يُصام قبل عاشوراء يومٌ، أو يُصام بعده يومٌ فتتم المخالفة، فقد روى أحمد (٢١٥٤) والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً} فالتشريع بصيام تاسوعاء إنما جاء لمخالفة اليهود ولم يأت لذاته، ولم يأت على أنه عاشوراء، وإلا فإن المخالفة لا تحصل. وهذا الحديث يقوِّي فهمَنا بأن اليوم العاشر هو المتعين، وأن اليوم التاسع يُضَمُّ في الصوم إليه. والخروج بالجمع بين الأحاديث التي تبدو متعارضة، تهنأ به النفوس، وتنشرح له الصدور، والحمد لله رب العالمين.
...أما السبب في مشروعية صيام يوم عاشوراء، فقد ورد فيه عدد من الأحاديث نختار منها ما يفي بالغرض:
١- عن ابن عباس رضي الله عنه قال {قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومُ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: أنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه} رواه البخاري (٢٠٠٤) ومسلم وأبو داود وابن ماجة والنَّسائي وأحمد والدارمي.