...وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه لا يضيف شيئاً إلى أحاديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، وهكذا يبقى حديث معاوية بمنطوقه دليلاً ناصعاً على نفي وجوب صيام يوم عاشوراء، فوجب القول به وترك ما سواه.
ثم مالنا نبتعد كثيراً في البحث في هذه المسألة، وعندنا الدليل والفيصل الساطع في كتاب الله الكريم، يقول تعالى في الآية ١٨٣ من سورة البقرة {يا أيها الذين آمنوا كُتبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلِكُم لعلَّكم تتَّقون} انظروا في قوله {كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم} فقوله كتب عليكم الصيام هنا، جاءت كلمة الصيام عامة ومطلقة، وجاء البيان بأن الصيام قد كتب علينا آنذاك ولو كان الصيام مفروضاً علينا من قبل لما جاء اللفظ الكريم هكذا، فهذه الآية الكريمة جاءت تعلن فرض الصيام، وتدل على أنه لم يكن صيامٌ مفروضٌ قبل ذلك، هذه واحدة.
والثانية هي قوله، كما كتب على الذين من قبلكم، ولو كان الصيام مكتوباً علينا من قبل هذه الآية لما جاء القول كما كتب على الذين من قبلكم، فقد قال كما كتب على الذين من قبلكم، ولم يقل كما كتب عليكم في يوم عاشوراء مثلاً، وهذا دليل ناصع على أنه لم يكن على المسلمين صيام واجب قبل صيام شهر رمضان، وغفر الله لمن يقول غير ذلك وإِنما الأخطاء عند الفقهاء والعلماء تأتي من الاقتصار على دليل أو بضعة أدلة وترك ما عداها، وكأنَّ الاجتهاد مسالةُ انتقاءٍ للنصوص، وليس أخذاً بها وإِعمالاً لها كلِّها إلا أن يكون منها ضعيف أو مخالفٌ للأحاديث الصحيحة فيطرح ولا يُلتفت إليه.
...وقد نطقت عدةُ أحاديث بفرض صيام شهر رمضان دون أن نجد حديثاً واحداً ينطق بفرض صيام عاشوراء، أذكر منها على سبيل المثال: