...ثم إن القول بالحذف كقول سعيد بن المسيِّب، لا يصح أن يُلجَأ إليه في النظم القرآني إلا بدليل، وهنا لا دليل ولا شبهة دليل على القول بالحذف، فوجب ترك هذا القول دون تردُّد. وحيث أن الآية {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين} مُحْكَمَةٌ غيرُ منسوخة، فإن تفسيرها أو قل تأويلها، يجب أن ينسجم مع ما قبلها ومع ما بعدها من الآيات. أما ما قبلها، فإن الآية هي {يا أيها الذين أمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فقولها كُتب عليكم الصيام يجب أن لا يُفهم منه التخيير بين الصيام والإفطار كما رُويت في ذلك روايات كثيرة، وإلا لا يكون الصيام قد كُتب بمعنى قد فُرض، فالقول بالتخيير مناهِض ومعارِض لهذه الآية المصرِّحة بأن الصوم مكتوب، أي مفروض، فيُردُّ القول بالتخيير مهما كثرت رواياته. وأما الآيةُ التي بعدها فهي {شهرُ رمضانَ الذي أُنزل فيه القرآنُ هدىً للناس وبيِّناتٍ من الهُدى والفرقان فمن شهد منكم الشهرَ فلْيصُمه} فقد جاءت هذه الآية الكريمة تعمِّم القولَ بوجوب الصوم {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فهي تأكيد وتثبيت للآية الأولى.
...وحيث أنَّ الآية الكريمة الأولى تذكر أن الصوم مكتوب وأنَّ الآية الكريمة الثالثة تذكر أن الصوم واجب بالمعنى طبعاً، فإن الآية الوسطى لا ينبغي، ولا يجوز أن يقال عنها إنها جاءت بالتخيير، وإنما يجب أن يقال إنها جاءت هي الأخرى بالوجوب وذلك حتى يتَّسق النظمُ القرآني فلا يكون فيه تعارض ولا اضطراب. وبناء على هذه المقدِّمة التي لا بد منها أقول ما يلي: