للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

...أما الحديث الأول فهو يدل على جواز التقبيل أكثر مما يدل على كراهته، وذلك أن تشبيه التقبيل بالمضمضة هو دليل على الجواز، لجواز المضمضة في الصيام، وكان بإمكانهم أن يقفوا عند هذه الدلالة الواضحة، إلا أنهم لم يقفوا عندها بل قالوا: حيث أن المضمضة يمكن أن يتسرب الماء منها إلى الحلق، فكذلك القُبلة يمكن أن تؤدي إلى تحرُّك الشهوة. فمثل هذا التأويل المتعسِّف هو من الضعف بحيث لا يحتاج إلى بذل أيِّ جهدٍ لردِّه.

...وأما الحديث الثاني فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشيخ يملك نفسه) هو مثل قول عائشة (ولكنه أملكُكم لإِرْبِه) والقصد من العبارتين الخوف من الجماع لا الخوف من تحرُّك الشهوة، فمن خاف على نفسه من أن تؤدي به القُبلة إلى الجماع امتنع عنها، ومن لم يخف ذلك فلا بأس بالقُبلة وهي جائزة. أما تحرُّكُ الشهوة فإن الأَعَمَّ الأَغْلَبَ أن التقبيل يحرِّك الشهوة، فلو كان تحرُّك الشهوة هو العلة من النهي لصار التقبيل محظوراً على الجميع، وهو مُعارَض بالأحاديث الكثيرة القائلة بالجواز. وإذن فليس في هذه الأحاديث السبعة ما يعضد دعواهم بكراهة التقبيل أو بتحريمه، وليس فيها ما يدل على أن تحريك الشهوة محظور. والآن نعود إلى النقطتين المذكورتين قبل قليل، فنقول ما يلي:

<<  <   >  >>