وبإقرار هذه القاعدة نقول إن تذوُّق الطعام جائز، وإن إدخال ميزان الحرارة في الفم لقياس درجة الحرارة جائز وإن حفر الأسنان وتلبيسها جائز ولا يفطِّر الصائمَ، ولا يُفْطِرُ الصائمُ إلا إن تسرَّب إلى حلقه شيءٌ من المواد الداخلة في فمه وبَلَعَهُ.
...أما بقايا الأكل بين الأسنان، فإنها إن بقيت في مكانها، فلا خلاف في أنها لا تفطِّر، ولا تفطِّر كذلك إن ازدرد الصائم شيئاً منها وكان يسيراً، لأن الشرع عفا عن اليسير مما لا يمكن التحرُّز منه. وأما إن تجمع في فمه منها كمية وشكلت جسماً يُبلع، أي جسماً يحتاج إدخاله في الجوف إلى عملية بلع وليس بجريانه مع الريق دون إحساس به، فإن الواجب طرحه ولفظه، فإن بلعه أفطر، حاله كحال بلع حبة عدس مثلاً.
قال محمد بن المنذر: أجمعوا - يقصد علماء المسلمين - على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه، مما لا يقدر على إخراجه. وكان أبو حنيفة يقول: إذا كان بين أسنانه لحمٌ فأكله متعمِّداً فلا قضاء عليه. وقد خالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل. والصحيح هو ما ذهب إليه الجمهور، فإنَّ تعمُّدَ أكلِ اللحمِ العالقِ بين الأسنان، وقد أمكن لفظُهُ، يفطِّر الصائم.
...أما ما يضعه المريض بالقلب والجلطات من حبَةٍ تحت اللسان، لتذوب تدريجياً كعلاجٍ للحالة عند اشتدادها، فإن ذلك يفطِّر الصائم قولاً واحداً، إذ لا فرق بين بلع الحبة دفعةً واحدة وبين بلعها تدريجياً. ومثلها القطرة في الفم لتُشرب كعلاج كما هو الحال في التطعيم ضد الشلل، فإنها تفطِّر الصائم.
...فما يدخل الفم لا يفطِّر الصائم، إلا إن هو نزل إلى البلعوم، أي تمَّ بلعُه، فلْيحرص الصائم على صومه، وليحذر من أن يُفْطِر وهو لا يقصد.